Skip links

عقد لوجستي مُحكم يُحدِّد المسؤوليات ويُغلق ثغرات المخاطر

في ظلّ التحوّل الرقمي المتسارع ورؤية المملكة 2030، لم تعد الخدمات اللوجستية مجرّد عملية نقل من نقطةٍ إلى أخرى، بل أصبحت منظومةً متكاملة تشمل التخزين، وإدارة المخزون، والتغليف، والتوزيع، والتوصيل النهائي، وحتى التعامل مع المرتجعات. 

لكنّ الخطأ الشائع هو الاعتماد على عقودٍ نمطية لا تعكس هذا التعقيد؛ إذ تبدو كافيةً في ظاهرها، لكنها سرعان ما تكشف ثغراتها عند أول حالة تلف أو فقدان، وعندها تبدأ دوائر تبادل اللوم بين مزوّد الخدمة اللوجستية وشركات التوصيل، بينما تتحمّل المنشأة الخسائر المالية ويتأثر رضا العملاء. 

الحلّ يتمثّل في عقدٍ لوجستي مُصاغ بأفضل الممارسات النظامية والمهنية، ينظّم العلاقة التشغيلية ضمن إطارٍ قانوني واضح يحدّد الحقوق والالتزامات، ويوازن بين الجوانب التشغيلية والمتطلبات النظامية، من خلال توزيعٍ دقيقٍ للمسؤوليات وربط الالتزامات ببنود التأمين والتعويض المنصوص عليها في الأنظمة السعودية. 

الركيزة الأولى: بيان العمل (SOW) في العقد اللوجستي: 

يُعدّ بيان العمل  Statement of Work)) الوثيقة الجوهرية في العقد اللوجستي؛ فهو المرجع الأساسي في التنفيذ وحل النزاعات، ويحدّد بدقة مهام كل طرف ومجالات مسؤوليته. 

أبرز البنود في بيان العمل: 

● الاستلام: 
تحديد موعد التسليم، ووجوب الفحص الفوري، والإبلاغ عن أي تلف أو نقص خلال المدة المحددة، مع بيان أثر السكوت كأن يُعدّ قبولًا ضمنيًّا استنادًا إلى مبدأ حسن النية في نظام المعاملات المدنية. 

● إدارة المخزون: 
إلزام مزوّد الخدمة بدقة السجلات، الالتزام بشروط التخزين الخاصة، تنفيذ الجرد الدوري، وتحميله فروقات الجرد عند ثبوت الإهمال أو الخطأ الجسيم. 

● التغليف والشحن الداخلي: 
تحديد الجهة المسؤولة عن مواد التغليف ومعايير جودتها، وتحميل المتسبب بالتلف الناتج عن تغليف غير مطابق للضوابط الفنية أو التأمينية. 

● المرتجعات: 
تنظيم مسؤوليات تكلفة الإرجاع وآلية التصرف بالبضائع المرتجعة بما يتوافق مع الأنظمة التجارية والتنظيمية في المملكة. 

الصياغة الدقيقة لهذه البنود تمنع الغموض وتضمن وضوح الالتزامات وحماية الحقوق التعاقدية. 

الركيزة الثانية: سلسلة المسؤولية (Chain of Liability) 

يُسهم توزيع المسؤوليات بدقة عبر مراحل سلسلة التوريد في الحدّ من النزاعات وتعزيز الحوكمة التشغيلية. 

● في المستودع: 
يُعدّ مزوّد الخدمة أمينًا على البضاعة ويلتزم بالعناية “كالشخص الحريص” وفق المادة (183) من نظام المعاملات المدنية، ويُحدّد نطاق مسؤوليته عن التلف أو الفقد الناتج عن الإهمال. 

● أثناء النقل: 
إذا استخدم المزوّد أسطوله الخاص فهو الناقل المباشر، أما إذا استعان بطرف ثالث فيجب تحديد ما إذا كانت مسؤوليته تستمر بعد التسليم إليه. 

● في التوصيل النهائي: 
يجب النصّ على ما إذا كان مزوّد الخدمة (3PL) يضمن أداء شركات التوصيل المتعاقد معها، أو ما إذا كانت مسؤوليته تنتهي بمجرد تسليم الشحنة إليها. 

● التوثيق الإلكتروني: 
اعتماد محاضر التسليم الإلكترونية، والباركود، والتوقيعات الرقمية كوسائل إثبات معتبرة وفق قواعد الإثبات الرقمي في المملكة. 

الركيزة الثالثة: سقف التعويض والتأمين: 

يُعدّ بند سقف التعويض والتأمين عنصرًا محوريًّا في إدارة المخاطر المالية. 

● سقف التعويض: 
يجوز الاتفاق على حدٍّ أقصى للتعويض في الحالات الاعتيادية، بشرط ألا يشمل حالات الغش أو الإهمال الجسيم، وإلا يُعدّ الشرط باطلًا وفق المادة (181) من نظام المعاملات المدنية. 

● الاستثناءات النظامية: 
لا يصحّ إعفاء أي طرف من المسؤولية عند الغش أو الإهمال الجسيم أو الإخلال الجوهري بالالتزامات. 

● التأمين الشامل: 
يُوصى بأن تستصدر المنشأة وثيقة تأمين مستقلة باسمها تغطي الفقد والتلف والسرقة والكوارث الطبيعية، بدلًا من الاعتماد على تأمين مزوّد الخدمة وحده. 

● نطاق التغطية: 
يجب بيان حدود التغطية، والمستفيدين، وآلية تقديم المطالبات داخل العقد. 

صياغة هذه البنود بدقة تضمن توازنًا يحمي الأطراف ويُقلل المخاطر التشغيلية والمالية. 

الركيزة الرابعة: الإطار النظامي السعودي والتحكيم التجاري: 

الإطار النظامي هو الأساس الذي تُبنى عليه صحة العقد وقابليته للتنفيذ. 

● نظام المعاملات المدنية: 
دخل حيّز التنفيذ في 16 ديسمبر 2023م، وهو المرجع الأساسي لتنظيم العقود المدنية والتجارية في المملكة. 

يشمل: 

  • جواز التعويض عن الأرباح المفقودة متى كانت نتيجة متوقعة. 
     
  • بطلان شرط الإعفاء من المسؤولية عند الغش أو الإهمال الجسيم. 
     

● أنظمة النقل: 
تخضع لضوابط الهيئة العامة للطرق، خاصة فيما يتعلق بالتشغيل والبضائع المنقولة. 

● الشحن الدولي: 
يمكن النص على تطبيق قواعد لاهاي أو هامبورغ بشرط عدم تعارضها مع الأنظمة السعودية. 

● فض النزاعات: 
يستحسن النص على خضوع العقد للنظام السعودي، وتحديد جهة الفصل: 

  • المحاكم المختصة. 
  • المركز السعودي للتحكيم التجاري  SCCA))، 
    وذلك استنادًا إلى نظام التحكيم (م/34) لعام 1433هـ. 
     

وضوح الإطار النظامي يعزز الثقة القانونية ويضمن قابلية تنفيذ العقد محليًّا ودوليًّا. 

العقد اللوجستي المحكم لا يُكتب لمعالجة النزاعات بعد وقوعها، بل يُصاغ لتجنّبها منذ البداية، ومن خلال ضبط الالتزامات التشغيلية، وتحديد مؤشرات الأداء (KPIs)، وربطها ببنود التأمين والتعويض، يتحوّل العقد إلى أداة استراتيجية لتعزيز الاستدامة القانونية والتشغيلية. 

في دفِنس محامون ومستشارون، نعمل على صياغة العقود اللوجستية المتوافقة مع الأنظمة السعودية بما يعزّز الامتثال القانوني، ويرفع كفاءة التشغيل، ويحدّ من المخاطر في سلسلة الإمداد. 

 الأسئلة الشائعة (FAQ): 

ما الفرق بين العقد اللوجستي وعقد النقل؟ 

العقد اللوجستي يشمل خدمات متعددة مثل التخزين والتغليف وإدارة المرتجعات، بينما يقتصر عقد النقل على عملية الشحن فقط. 

هل يمكن تحديد سقف للتعويض في العقود السعودية؟ 

نعم، يجوز ذلك في الحالات العادية، مع استثناء الغش أو الإهمال الجسيم، وإلا يُعدّ الشرط باطلًا. 

هل الأدلة الرقمية معترف بها في السعودية؟ 

نعم، تُعدّ الأدلة الإلكترونية مثل التوقيعات الرقمية ومحاضر التسليم الإلكترونية وسائل إثبات معتبرة نظامًا.