في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، برزت سلسلة من الإصلاحات النوعية التي تهدف إلى إعادة هيكلة سوق العمل، وتعزيز بيئة أكثر عدالة وشفافية. ومن بين أبرز هذه الإصلاحات وأكثرها تأثيرًا، جاء قرار إلغاء نظام نقل الكفالة، ليشكل نقطة تحول محورية في العلاقة التعاقدية بين العامل الوافد وصاحب العمل. لم يكن هذا القرار مجرد تعديل إداري أو إجراء تنظيمي، بل خطوة استراتيجية ضمن رؤية المملكة 2030، تعكس التزامًا جادًا بتطوير التشريعات العمالية، وحماية حقوق الإنسان، وجذب الكفاءات العالمية. كما يعزز تنافسية الاقتصاد الوطني ويواكب المعايير الدولية. في هذا المقال، نُلقي نظرة شاملة وعميقة على التطورات التي صاحبت إلغاء نظام الكفيل. كذلك ونستعرض ايضًا أبعاده القانونية، والاقتصادية، والاجتماعية في إطار بيئة عمل مستقبلية أكثر نضجًا ومرونة.
- ما هو نظام الكفالة؟
نظام الكفالة هو ترتيب قانوني كان معمولًا به في المملكة العربية السعودية ومعظم دول الخليج، يلزم العامل الأجنبي بأن يكون تحت “كفالة” صاحب العمل. كان صاحب العمل يتمتع بسلطات واسعة تشمل التحكم في إصدار وتجديد إقامة العامل، منعه من السفر أو التنقل، وأهمها: نقل الكفالة، أي انتقال العامل من منشأة الى أخرى.
هذا النظام تعرض لانتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان وبعض المؤسسات الدولية، باعتباره يفيد حرية العامل ويجعله عرضة للاستغلال. كما أنه يخلق علاقة تبعية تُضعف من عدالة سوق العمل وتنافسية بيئته.
إصلاحات قانونية جديدة: إلغاء نظام الكفيل
في نوفمبر 2020، أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عن مبادرة “تحسين العلاقة التعاقدية”، والتي تضمنت إلغاء نظام نقل الكفالة لعدد كبير من العاملين الوافدين في القطاع الخاص، ودخل القرار حيز التنفيذ في مارس 2021.
ومن أبرز ملامح هذا التغيير:
- حرية التنقل الوظيفي:
يمكن للعامل الان الانتقال الى عمل جديد عند انتهاء عقده دون الحاجة لموافقة الكفيل السابق.
- تحسين شروط الخروج والعودة:
يُمنح العامل الوافد حرية التقدم بطلب تأشيرة خروج وعودة أو نهائي من خلال منصة “أبشر”، دون الرجوع لصاحب العمل.
- إلغاء موافقة الكفيل في كثير من الإجراءات:
مثل نقل الخدمات أو إصدار الإقامة، طالما أن العامل مستوفٍ للشروط النظامية.
مما لا يعني نهاية العلاقة التعاقدية بالكامل، بل انتقالها الى نموذج عقد العمل الموحد، والذي يحكم العلاقة بين الطرفين وفقًا للأنظمة العمالية السعودية.

لماذا تم إلغاء نظام الكفيل؟
جاء قرار إلغاء نظام نقل الكفالة نتيجة عوامل متعددة، أهمها:
- تعزيز حقوق الانسان:
القرار يعكس توجه المملكة العربية السعودية نحو تحسين سجلها الحقوقي. بتمكين العامل من حرية التنقل الوظيفي، يتم الحد من حالات الاستغلال والانتهاكات التي كانت تحدث تحت مظلة الكفالة.
- رفع تنافسية سوق العمل:
التحكم المطلق الذي كان يمارسه الكفيل جعل سوق العمل أقل جاذبية للخبرات العالمية. الإلغاء يعزز مرونة السوق ويجذب الكفاءات.
- مواءمة الأنظمة مع المعايير الدولية:
ضمن رؤية 2030، تسعى السعودية مواءمة قوانين العمل مع معايير منظمة العمل الدولية، بما في ذلك احترام حرية التنقل الوظيفي وحقوق العمل.
- دعم التوطين:
وذلك من خلال خلق بيئة تنافسية متوازنة، يمكن تشجيع السعوديين على دخول سوق العمل دون منافسة غير عادلة من عمالة وافدة محكومة بنظام غير مرن.
الفئات المستفيدة من إلغاء نظام نقل الكفالة:
لم يشمل القرار جميع العمالة الوافدة بشكل كامل، بل استهدف فئات وفقًا لشروط ومعايير تهدف الى ضمان انتقال منظم ومدروس نحو بيئة عمل تعاقدية أكثر مرونة. وتشمل الفئات المستفيدة ما يلي:
- العاملون في القطاع الخاص:
العاملون الأجانب في القطاع الخاص هم الفئة الأساسية المستفيدة من هذا القرار، وخاصة من يعملون بموجب عقود عمل موثقة إلكترونيًا عبر منصة “قوى”، التابعة لوزارة الموارد البشرية.
- العامل الذي أكمل سنة عمل لدى صاحب العمل الحالي:
لكي يتمكّن العامل من الانتقال الوظيفي دون موافقة الكفيل، يجب أن يكون قد أكمل 12 شهرًا على الأقل لدى صاحب العمل الحالي بموجب عقد عمل موثق.
- العامل الذي يحمل إقامة سارية وجواز سفر ساري:
ينبغي للعامل أن يكون نظاميًا من حيث الإقامة، أي أن تكون إقامته سارية المفعول، وكذلك جواز سفره، وألا يكون عليه أي بلاغات أو مخالفات قانونية.
- العامل الذي لم يتلق راتبة لعدة أشهر أو وقع عليه انتهاك تعاقدي:
في بعض الحالات الاستثنائية، يُسمح للعامل بنقل خدماته حتى قبل إكمال سنة، في حال حدوث إخلال من صاحب العمل بشروط العقد، مثل:
- تأخير الرواتب لعدة أشهر.
- تشغيل العامل في غير مهنته
- تسجيل العامل دون عمل فعلي.
من لديه عرض عمل من منشأة أخرى موثوقة:
يُشترط وجود عرض وظيفي جديد موثق من منشأة مسجلة في “قوى”، وأن تكون هذه المنشأة ملتزمة بنسب التوطين، ودفع الرواتب، وغير مخالفة لأنظمة العمل.
- فئات غير مشمولة حاليًا
رغم شمول القرار لفئات واسعة من العمالة، إلا أن بعض الفئات لم يشملها حتى الآن، ومنها:
- العمالة المنزلية (السائقين، العاملات، الحراس)
- العمالة الموسمية او المؤقتة.
- العمال غير المسجلين بعقود الكترونية أو لدى منشآت غير ملتزمة نظاميًا.
لكن هناك اشارات الى ان الحكومة تدرس توسيع نطاق المبادرة مستقبلًا لتشمل هذه الفئات، بعد تقييم أثر تطبيق النظام الجديد على سوق العمل.
إلغاء نظام نقل الكفالة والاقتصاد الوطني:
لا يمكن النظر إلى إلغاء نظام نقل الكفالة بمفرده عن التوجهات الاقتصادية الكبرى التي تقودها المملكة ضمن رؤية السعودية 2030. فهذا القرار ليس مجرد إصلاح قانوني يخص العلاقة بين العامل وصاحب العمل، بل هو جزء من استراتيجية شاملة لاعادة هيكلة سوق العمل وتعزيز الاقتصاد الوطني عبر محاور متعددة.
- تعزيز جاذبية سوق العمل للمستثمرين الدوليين:
نظام نقل الكفالة التقليدي كان ينظر إليه من قبل المستثمرين الاجانب على انه نظام جامد، يقيد حرية التنقل الوظيفي ويخلق بيئة عمل تفتقر إلى المرونة. من خلال إلغاء هذا النظام، ترسل المملكة رسالة ثقة وجدية للأسواق العالمية مفادها أن بيئة العمل السعودية تسير نحو العالمية، وتتبنى معايير عادلة وشفافة، وهذا يعزز جاذبية الاستثمار الأجنبي المباشر.
- زيادة الإنتاجية وتحفيز التنافسية
في ظل النظام القديم، لم يكن الأداء هو العامل الحاسم في استمرار العامل في منشأته، بل ارتباطه الإداري بالكفيل. أما في ظل العلاقة التعاقدية الجديدة، فإن جودة الأداء والالتزام المهني أصبحت العامل الرئيسي في بقاء العامل، مما يُحفّز كلًا من العامل وصاحب العمل على رفع الكفاءة والإنتاجية، ويساهم في بناء سوق عمل أكثر تنافسية.
- دعم خطط التوطين وتنمية الكوادر الوطنية:
يساهم إلغاء نقل الكفالة في إعادة تنظيم سوق العمل، والحد من الممارسات التي كانت تعيق توطين الوظائف مثل التستر التجاري أو استقدام عمالة غير منتجة. ومع تحرر السوق من القيود القديمة، يصبح المجال مفتوحًا لتوظيف الكفاءات السعودية ضمن بيئة عمل عادلة تحفّز الجميع، سواء وافدين أو مواطنين، على التميز.
- تقليل الاقتصاد غير الرسمي:
أحد أبرز الأضرار التي نتجت عن نظام الكفالة هو نشوء سوق مظلم من العمالة غير النظامية، سواء من خلال هروب العمال، أو التستر التجاري، أو تجارة التأشيرات. أما في ظل النظام الجديد، فإن المنصات الإلكترونية والربط الرقمي (مثل منصة “قوى”) تساعد على مراقبة حركة العمالة وتنظيمها بشكل قانوني، ما يؤدي إلى تضييق مساحة الاقتصاد غير الرسمي وزيادة الإيرادات الضريبية.
تحسين تصنيف المملكة في المؤشرات العالمية
الإصلاحات العمالية، وعلى رأسها إلغاء نظام نقل الكفالة. كما ساعدت المملكة على تحسين ترتيبها في مؤشرات التنافسية الدولية، مثل:
- مؤشر سهولة ممارسة الأعمال.
- مؤشر حقوق العمال.
- مؤشر بيئة الاستثمار
وهذا بدورة يعزز ثقة المؤسسات الدولية وصناديق التمويل الكبرى في الاقتصاد السعودي.
- تمكين التحول الرقمي وتنظيم السوق:
التحول من علاقة كفالة إلى علاقة تعاقدية يتطلب بنية تقنية متقدمة. وهنا جاء دور المنصات الحكومية الرقمية مثل:
- منصة قوى: لتوثيق العقود ونقل الخدمات.
- أبشر: لتسهيل إصدار التأشيرات والخروج والعودة.
- مدد: لضمان دفع الأجور إلكترونيًا.
هذه المنصات تعزز الشفافية والرقابة الذكية، ما يدعم البنية التحتية لسوق عمل قائم على البيانات، ويزيد من مرونة الاقتصاد.
دور شركة دفنس محامون ومستشارون في المرحلة القانونية الجديدة
في زمن التغيير، يصبح للمحامي والمستشار القانوني دور أساسي لا غنى عنه. وقد أثبتت شركة دفنس محامون و مستشارون أنها شريك موثوق للقطاعين العام والخاص، في رحلة الانتقال نحو سوق عمل أكثر عدالة واحترافية. إن خبرتها القانونية المتعمقة، وفهمها الدقيق للأنظمة السعودية، يجعلها من أبرز الجهات القادرة على مرافقة العملاء خلال هذا التحول القانوني الاستراتيجي.
كما لعبت شركة دفنس محامون ومستشارون دورًا محوريًا في دعم التحول القانوني بعد إلغاء نظام نقل الكفالة، من خلال:
- نشر الوعي القانوني عبر ندوات ونشرات توعوية لتفسير الأنظمة الجديدة.
- صياغة عقود العمل المتوافقة مع التشريعات الحديثة وتوثيقها عبر المنصات الرسمية.
- التمثيل القانوني في النزاعات العمالية وضمان حقوق أطراف العلاقة التعاقدية.
- تقديم استشارات استراتيجية للشركات لإعادة هيكلة سياساتها الداخلية وتطوير بيئة العمل.
- ضمان الامتثال القانوني لتجنّب المخالفات وتحقيق الالتزام الكامل بالأنظمة الجديدة.
من خلال هذه الأدوار المتكاملة، أثبتت دفنس مكانتها كشريك قانوني موثوق في مرحلة الإصلاحات العمالية والاقتصادية في المملكة.
للتواصل والاستفسار:
الرقم الموحد:
920013824
زيارتنا في أحد فروعنا المنتشرة بالمملكة:
القصيم | الدمام | الرياض
في الختام
يشكل إلغاء نظام نقل الكفيل في المملكة العربية السعودية نقطة تحوّل تاريخية نحو بيئة عمل أكثر عدالة، ومرونة، وشفافية. هذا التحول لا يعكس فقط تطورًا قانونيًا، بل يعكس التزامًا عميقًا برؤية المملكة 2030 في بناء اقتصاد تنافسي قائم على الكفاءة والحقوق. ومع تطور الأنظمة والتشريعات، تبرز الحاجة إلى شراكة قانونية واعية وموثوقة، مثل شركة دفنس محامون ومستشارون، لمواكبة هذه المرحلة وضمان امتثال الأفراد والمؤسسات لأفضل الممارسات القانونية الحديثة.
المصادر
صحيفة سبق الإلكترونية
(للتصريحات الرسمية المتعلقة بإلغاء نظام الكفالة)